أحكام سعودية حديثة – قضايا عابرة للحدود ومحلية، القانون الحاكم، والاختصاص القضائي

December 5, 2025 (Edited) Original Copy

المادة:

الأحكام القضائية السعودية الحديثة: القانون الحاكم ومبادئ اختيار القانون

مقدمة

شهد نظام المحاكم في المملكة العربية السعودية تحديثات مهمة على مدار السنوات القليلة الماضية. لقد أثر قانون المحاكم التجارية، وإصلاحات قواعد الإثبات، وقانون المعاملات المدنية لعام 2023 على طريقة التعامل مع النزاعات التجارية، المحلية منها وعبر الحدود. بالنسبة للشركات الدولية، تتمثل أهم التطورات العملية في كيفية تنسيق المحاكم السعودية مع الإجراءات الأجنبية، وكيفية نظرها في الخيارات التعاقدية للمحكمة والقانون الحاكم، وكيفية مراقبتها لقيود السياسة العامة. توضح الأحكام السعودية الأخيرة اتباع نهج أكثر تنظيمًا لتنازع الاختصاص القضائي وإنفاذ التسوية، مع التأكيد على أن المحاكم السعودية ستطبق القانون السعودي في الدعاوى القضائية ولن تفصل في النزاعات بتطبيق القانون الموضوعي الأجنبي. لقد جعلت هذه التطورات النتائج أكثر قابلية للتنبؤ للمستثمرين وأوضحت الحدود الفاصلة بين التقاضي أمام المحاكم السعودية والتحكيم أو إجراءات المحاكم الأجنبية.

ستتناول هذه المقالة أحكام المحاكم السعودية الأخيرة وتوضح كيفية تعامل المحاكم السعودية مع الاختصاص القضائي والإجراءات الأجنبية المتزامنة وتأثير استقلالية الأطراف على المحكمة والقانون الحاكم.

الأحكام الأخيرة بشأن المنازعات المحلية وعبر الحدود

أصدرت المحاكم السعودية العديد من الأحكام الهامة التي توضح كيفية إدارتها للإجراءات المتوازية عبر الحدود، واختيار المحكمة المختصة، والنزاعات التجارية المحلية.

في حكم قضائي حديث (القرار رقم 324 لعام 1433هـ، ديوان المظالم)، نشأ نزاع من صفقة بيع أسهم تتعلق بالإمارات العربية المتحدة. تم رفع دعاوى قضائية بالفعل أمام محاكم دبي بشأن نفس المعاملة والأطراف (أو الأطراف ذات الصلة الوثيقة). احتج المدعى عليه بوجود دعوى معلقة/إجراءات موازية، واعترض على اختصاص المحكمة السعودية في ضوء شرط تسوية النزاعات. نظرت المحكمة السعودية، كمسألة أولية قبل النظر في الجوانب الموضوعية للنزاع، فيما إذا كانت ستستمر بالتوازي أو تؤجل في ضوء القضية الأجنبية واتفاقية بشأن المحكمة.
يُعد حكم المحكمة مهماً لعدد من الأسباب. أولاً، هي تقر باستقلالية الأطراف في اختيار محكمة أجنبية مختصة، شريطة ألا يتعارض الشرط مع النظام العام السعودي أو القواعد الإلزامية. قرأت المحكمة اتفاق الطرفين – بما في ذلك بند يشير إلى المنازعات أمام المحاكم في أي من البلدين – على أنه تعهد قضائي ساري المفعول، يتوافق مع معايير الاختصاص القضائي الدولية المعترف بها في المملكة حيث لا يتعارض مع القانون العام أو النظام العام. ثانيًا، طبقت المحكمة مبدأ الدعوى المعلقة في سياق دولي، مبررةً أنه عندما تكون نفس الأطراف ونفس الموضوع بشكل جوهري محل دعاوى معلقة بالفعل في الخارج أمام محكمة مختصة تم تحديدها أو قبولها من قبل الأطراف، يجوز للمحاكم السعودية وقف الدعوى أو رفض المضي فيها لتجنب التقاضي المزدوج والنتائج المتضاربة. وللوصول إلى هذا الاستنتاج، اعتمدت المحكمة على مبدأ أن الفصل في المنازعات يجب أن يتجنب إصدار أحكام متوازية في النزاع نفسه، وينبغي أن يحترم المنتدى المختار تعاقديًا في التجارة العابرة للحدود عندما يكون متوافقًا مع القانون السعودي، وبالتالي التأكيد على أن العقد هو قانون الأطراف (بقدر ما لا يتعارض مع القانون الإلزامي أو مسائل النظام العام) وأن القواعد الإجرائية الحالية للقانون السعودي لديها آليات كافية تسعى للتخفيف من تضارب القرارات. هذه مسألة إذا لم تُعالج بشكل كافٍ ومتناسب، فإنها ستحطم أي نظام عدالة.

ثالثاً، يميز الحكم بين الطعون التي يجب إثارتها كدفوع أولية والدفوع الموضوعية. تُعالج الاعتراضات المتعلقة بالاختصاص ودفوع الدعوى المعلقة كمسائل أساسية يجب حلها قبل التطرق إلى الموضوع، مما يعكس القواعد التي تقضي بوجوب معالجة الدفوع المتعلقة بالاختصاص ودفوع الدعوى المعلقة في البداية حتى لا تفصل المحكمة في مسألة تتجاوز أو تتوازى مع محكمة أجنبية مختصة. رابعًا، بينما جادلت المطعون ضدها بأن الأحكام التعاقدية المتعلقة بـ “الفائدة” السنوية الثابتة ستجعل الاتفاقية باطلة بموجب الشريعة، فقد تعاملت محكمة الاستئناف مع هذا الادعاء بعدم الصحة الموضوعية على أنه قابل للفصل عن مسألة الاختصاص القضائي، مؤكدة أن وجود شروط قد تكون باطلة لا يلغي بحد ذاته شرطًا متفقًا عليه حسب الأصول بشأن المحكمة المختصة أو تأثير الإجراءات الموازية الأجنبية؛ وتتم معالجة هذه المسائل الموضوعية من قبل المحكمة ذات الاختصاص القضائي المناسب. باختصار، الحكم رقم 324/1433 هـ (الطعن رقم 324/1433هـ)، على أن المحاكم السعودية ستحترم ترتيبات الاختصاص القضائي عبر الحدود والدعاوى الأجنبية التي لم يتم الفصل فيها بعد، وتطبق مبادئ الدعوى الدولية المعلقة وحرية الأطراف مع مراعاة النظام العام السعودي.

في حكم لاحق للمحكمة العليا (القرار رقم 431413 بتاريخ 05/03/1443هـ)، رأت المحكمة العليا أنه لا يجوز للأطراف الاتفاق على اختصاص محكمة أجنبية حيث يكون للمحاكم السعودية اختصاص بموجب القانون السعودي، كما هو الحال في الدعاوى المرفوعة ضد مدعى عليه مقيم في السعودية. قد لا يتم إنفاذ شروط اختيار المحكمة الأجنبية إذا كانت تسلب المحاكم السعودية الاختصاص القضائي الذي تتمتع به بموجب القانون المحلي. ينبغي على الأطراف معايرة بنود الاختصاص القضائي مع أخذ هذا القيد في الاعتبار والنظر في التحكيم عندما تكون الحيادية ضرورية.

في حكم المحكمة التجارية رقم 4530083991 من عام 1444 هـ، تناولت المحكمة نزاعًا يتعلق بالشركات تداخل مع إجراءات قضائية معلقة. طبقت المحكمة موانع إجرائية مستمدة من قانون المرافعات، بما في ذلك مبدأ قيد الدعوى ومبدأ وجوب إثارة دفوع معينة في أبكر مرحلة، وشددت على عدم جواز قبول المطالبات المكررة بمجرد أن تكون قضية ذات صلة معروضة بالفعل أمام محكمة مختصة. وبشكل منفصل، تُظهر الأحكام التجارية المتعلقة بالاختصاص القضائي الإقليمي وتكاليف التقاضي (على سبيل المثال، قضية المحكمة التجارية بجدة بشأن التزامات التوريد وطعن آخر بشأن استرداد أتعاب المحاماة) كيف تطبق المحاكم قانون المحاكم التجارية ولوائحه التنفيذية لتحديد مكان الدعوى، وتوزيع التكاليف بحكمة، ومعاقبة عدم الامتثال للمواعيد الإجرائية.
يوضح هذا الحكم موقف المحاكم التجارية الحازم في إدارة القضايا: حيث يتم تقليص الدعاوى المكررة؛ ويجب احترام التسويات؛ ويجب تقديم الدفوع في الوقت المناسب. بالنسبة للشركات، فإنه يعزز أهمية توحيد المنازعات وتسلسل المطالبات بعناية لتجنب الاستبعاد.

هل تحترم المحاكم السعودية اختيار الأطراف للقانون الحاكم؟

في ضوء الأحكام السابقة، من الضروري التساؤل عما إذا كانت المحاكم السعودية ستحترم اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق. عندما يتم التقاضي في نزاع أمام المحاكم السعودية، فإنها تطبق القانون السعودي. لا تطبق المحاكم السعودية القانون الموضوعي الأجنبي، حتى لو اختاره الأطراف في عقدهم، لأن قانون الإجراءات المدنية يوجه المحاكم إلى تطبيق الشريعة المستمدة من القرآن (كتاب المسلمين المقدس) والسنة (وهي تعاليم النبي محمد)، بالإضافة إلى التشريعات السعودية الأخرى المتوافقة مع الشريعة. يعكس هذا الموقف الدور الأساسي للشريعة والسياسة العامة السعودية في النظام القضائي للمملكة، ويتم تأكيده باستمرار في التوجيهات الموثوقة بشأن التقاضي عبر الحدود.

هذا لا يعني أن استقلالية الأطراف غير ذات صلة بالقانون الحاكم في جميع الأوساط. في التحكيم -لا سيما التحكيم الدولي الذي يقع مقره خارج المملكة- يجوز لهيئات التحكيم بصفة عامة تطبيق القانون الذي يختاره الأطراف، ويدعم التزام المملكة العربية السعودية بالصكوك الدولية بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم وإنفاذها هذا الإطار. بالنسبة للتحكيم الذي يقع مقره في المملكة العربية السعودية، تنص المادة 37 (4) من قواعد تحكيم المركز السعودي للتحكيم التجاري على أن: “القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم هو القانون المطبق في مكان التحكيم، ما لم يتفق الأطراف كتابةً على تطبيق قوانين أو قواعد قانونية أخرى.” ينص دليل إجراءات التحكيم بمركز التحكيم التجاري السعودي (SCCA) أيضاً على ما يلي: “يجب أن تكون جميع القرارات الصادرة… تطبيق القانون الموضوعي الذي اتفق عليه الطرفان”.

وبناءً عليه، ورهناً بالسياسة العامة السعودية، فإن اتفاق الأطراف بشأن القانون الحاكم يسود على المواقف الافتراضية في قانون التحكيم وقواعد التحكيم للمركز السعودي للتحكيم التجاري.

القواعد الوطنية الإلزامية التي تعدل أو تقيد القانون المختار

نظرًا لأن المحاكم السعودية ستطبق القانون السعودي، فإن القواعد الإلزامية المضمنة في التشريعات السعودية والسياسة العامة المستندة إلى الشريعة هي عوامل حاسمة في إجراءات المحكمة بغض النظر عن أي بند قانوني أجنبي حاكم. وتشمل، ضمن أمور أخرى، حظر الفائدة (الربا) وبعض أوجه عدم اليقين (الغرر)، وأحكام قانون المحاكم التجارية التي تحكم النزاعات التجارية، وقانون الإثبات الذي يحكم الإثبات، وقانون المعاملات المدنية الذي يقنن مبادئ القانون الخاص الأساسية المتوافقة مع الشريعة. لن يتم تطبيق شروط العقد التي تتعارض مع السياسة العامة السعودية من قبل المحاكم السعودية، وستقتصر أي تعويضات مالية على الأضرار التعويضية؛ ولا تتوفر التعويضات العقابية والفوائد.

في غياب شرط القانون الحاكم، وبالنسبة للمطالبات غير التعاقدية، يطبق القانون السعودي في المحاكم السعودية. على الصعيد المحلي، تطبق المحاكم التجارية أدوات إجرائية قوية — بما في ذلك الدفع بالدعوى المعلقة، وقواعد تحديد مكان الدعوى، والجداول الزمنية الصارمة — لتبسيط القضايا والتحكم في الدعاوى القضائية المزدوجة، مما يعكس بيئة تقاضي حديثة.

ما هو القانون الذي يطبق في حالة عدم وجود اتفاق أو للمطالبات غير التعاقدية؟

كما يتضح في القضايا المذكورة أعلاه، وفي غياب شرط اختيار القانون، تطبق المحاكم السعودية القانون السعودي. تنطبق القاعدة نفسها على المطالبات غير التعاقدية المرفوعة أمام المحاكم السعودية. لا توجد آلية منفصلة لتنازع القوانين في الدعاوى القضائية السعودية العادية تشير إلى قانون أجنبي للتعويض عن الأضرار أو الإثراء بلا سبب. بدلاً من ذلك، يحكم القانون السعودي بشكل شامل كلما تم الفصل في النزاع في محاكم المملكة.

الخاتمة

ستقر محاكم الاستئناف السعودية، في الظروف المناسبة، بالإجراءات الأجنبية وبنود الاختصاص القضائي الصحيحة لتجنب الأحكام المتضاربة، مما يوضح توافقًا عمليًا مع المجاملة الإجرائية الدولية. ومع ذلك، أوضحت المحكمة العليا أن استقلالية الأطراف لا يمكن أن تجرد المحاكم السعودية من الولاية القضائية حيث يمنحها القانون السعودي، كما هو الحال عندما يكون المدعى عليه مقيماً في المملكة. في المسائل المعروضة على المحاكم السعودية، يكون القانون الواجب التطبيق هو القانون السعودي بغض النظر عن اختيار الأطراف التعاقدي. القواعد السعودية الإلزامية والسياسة العامة المستندة إلى الشريعة تلغي البنود التعاقدية غير المتوافقة، بما في ذلك أي أحكام تتعلق بالفوائد. في غياب شرط القانون الحاكم، وبالنسبة للمطالبات غير التعاقدية، يطبق القانون السعودي في المحاكم السعودية. على الصعيد المحلي، تطبق المحاكم التجارية أدوات إجرائية قوية – بما في ذلك مبدأ “قضية معلقة” وقواعد تحديد مكان الدعوى والجداول الزمنية الصارمة – لتبسيط القضايا والتحكم في الدعاوى القضائية المزدوجة، مما يعكس بيئة تقاضٍ حديثة.

تُظهر قرارات المحاكم السعودية التي نوقشت في هذه المقالة نهجًا متماسكًا لكل من النزاعات العابرة للحدود والنزاعات المحلية. من ناحية أخرى، تتمتع المحاكم السعودية بالمرونة الإجرائية للاعتراف بالإجراءات الأجنبية الراسخة في شرط صحيح لاختيار المحكمة، مما يقلل من مخاطر الأحكام المتضاربة. من ناحية أخرى، فإنها تحافظ على الامتيازات القضائية الأساسية حيث ينص القانون السعودي على ذلك، وتطبق بشكل موحد القانون الموضوعي السعودي في المحاكم السعودية. بالنسبة للأطراف المتعاقدة، فإن التداعيات العملية واضحة. إذا تم التقاضي في نزاع ما في المحاكم السعودية، فتوقع أن يحكم القانون السعودي، وأن تسود السياسة العامة السعودية على شروط العقد غير المتوافقة، وأن يتم تطبيق القواعد الإجرائية بصرامة. إذا كان اختيار الأطراف للقانون أمراً بالغ الأهمية، فقد يوفر التحكيم وسيلة أكثر موثوقية لتكريم هذا الاختيار؛ ولكن في دعاوى المحاكم السعودية، سيوفر القانون والإجراءات السعودية الإطار من البداية إلى النهاية.